أكدت صحيفة بريطانية أن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان سيكون «نجم نجوم» قمة مجموعة الدول الـ20 الأقوى اقتصاداً في العالم، التي ستستضيفها العاصمة الهندية نيودلهي خلال الفترة القادمة. وكتبت صحيفة «ديلي تلغراف»، التي لا يمكن وصفها بأنها مؤيدة للمملكة العربية السعودية، أن جميع المحاولات التي بذلتها القوى الغربية لتشويه صورة الأمير محمد بن سلمان انتهت بالإخفاق، وأنه أضحى محط الأنظار ومركز اهتمام العالم بأسره.
وأضافت أن الأمير محمد بن سلمان بات يشكل حضوراً دائماً في الساحات الدولية، من خلال وساطته لإطلاق لاعبة كرة السلّة الأمريكية بريتني غراينر، التي احتجزتها روسيا. وفضلاً عن استضافته الرئيس الصيني شي جينبنغ في الرياض في ديسمبر الماضي، عقد ولي العهد السعودي قمة ناجحة للقادة العرب والصينيين في العاصمة السعودية. وأفضى تعزيز العلاقات مع الصين الى وساطة قامت بها بكين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران. كما استضاف الأمير محمد بن سلمان الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي في القمة العربية التي عقدت في جدة في مايو الماضي. وأردف ذلك باستضافة قمة حضرها قادة ومسؤولون أمنيون من نحو 42 دولة، بما فيها الصين، والهند، وأوكرانيا للبحث في حل الأزمة الأوكرانية. وزادت «التلغراف» أن مشاركة السعودية الأسبوع الماضي في اجتماع مجموعة «بريكس» المتزايدة النفوذ في الساحة العالمية أكد بجلاء أن الأمير محمد بن سلمان غدا شخصية مركزية في الدبلوماسية العالمية. وأشارت الى أن تلك النجاحات المبهرة ليست نهاية المطاف؛ إذ إن جهوداً تبذل لإقناع المملكة بإقامة علاقات مع إسرائيل. وتساءلت الصحيفة البريطانية المؤيدة تقليدياً لإسرائيل: ماذا سيكون ثمن أي اتفاق من ذلك القبيل؟ ماذا سيكون بمستطاع ولي العهد السعودي انتزاعه من واشنطن الساعية الى تحقيق ذلك الاتفاق قبيل انتخابات الرئاسة الأمريكية الوشيكة في سنة 2024؟ وكتبت «التلغراف» أن مصادرها تشير الى أن السعودية تشترط في المقابل ضمانات أمنية كاملة من الولايات المتحدة، لا تقل عن المادة الخامسة من ميثاق منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإقامة برنامج نووي سعودي تشارك فيه الولايات المتحدة، ودور سعودي يضمن سلامة وأمن المسجد الأقصى في القدس الشريف. وزادت أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سوليفان، الذي يعتمد عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن في تنفيذ سياسته الخارجية، زار المملكة أخيراً، حيث أجرى محادثات. وفي المقابل تريد واشنطن تعهدات سعودية بالاحتفاظ بمسافة أكبر من الصين، وأن تقدم المملكة ضمانات بالإبقاء على بيع نفطها بالعملة الأمريكية. وهي شروط يصعب على السعودية قبولها. ولهذا صرّح سوليفان الأسبوع قبل الماضي بأنه لا يزال ثمةَ متسعٌ للقيام برحلات أخرى للمملكة، ما قلل من شأن المزاعم بأن الاتفاق بين الطرفين بات وشيكاً. وكتبت «التلغراف»: «لكن مع اقتراب انتخابات 2024 الرئاسية الأمريكية، أضحى الوقت غير كافٍ ليدّعي بايدن الفضل في أي اتفاق منشود. ويبدو أن السلطة ومركز القوة بيد الأمير محمد بن سلمان».
وأوضحت أن الأحداث الكبرى التي شهدها العالم جعلت زعماء العالم يصطفون لمقابلة الأمير محمد بن سلمان. وأول تلك الأحداث الحرب الأوكرانية، التي نجح ولي العهد السعودي في تحقيق توازن بين العقوبات والعقوبات المضادة بين روسيا والغرب، فيما أدت الحرب الأوكرانية الى زيادة أسعار النفط لمصلحة الخزانة السعودية. وفي الدرجة الثانية من الأحداث العالمية الكبرى التنافس المحموم بين الصين والولايات المتحدة. وفيما انقسم العالم الى مؤيدين للنفوذ الأمريكي، ومؤيدين للنفوذ الصيني؛ اضطر التكتلان الى خطب ود القوى الأخرى، كالسعودية، والهند، وإندونيسيا. وذكرت «ديلي تلغراف» أن الأمير محمد بن سلمان سعى بذكاء الى الإبقاء على صلة بكل من الولايات المتحدة والصين وروسيا في آنٍ معاً، بحيث أضحى يتحدث الى كل من الرؤساء الأمريكي بايدن، والصيني شي جينبنغ، والروسي فلاديمير بوتين، بالشروط التي يريدها، وليس كما يريدون هم.
وأشارت «التلغراف» الى أن الحدث العالمي الكبير الذي يأتي في المرتبة الثالثة هو التحولات التي يشهدها مجال الطاقة. وقالت إنه على النقيض من المزاعم بأن توجّه السعودية الى القضاء على الانبعاثات الكربونية الى المستوى الصفري ليس في مصلحتها، فهو في حقيقة الأمر في صميم مصالحها. وأوضحت الصحيفة البريطانية أن وكالة الطاقة الدولية تتوقع أن ترتفع حصة دول منظمة أوبك من سوق النفط العالمية من الثلث راهناً الى النصف بحلول سنة 2050، بينما توقعت شركة النفط البريطانية (بريتيش بتروليوم) أن حصة منتجي أوبك في السوق العالمية سترتفع الى ثلثي إمدادات النفط العالمية خلال الفترة القادمة. وخلصت «التلغراف» الى «أن ذلك كله سيؤدي الى صعود نجم شخص واحد، هو: محمد بن سلمان».
وزادت الصحيفة البريطانية أنه ليس من الإنصاف القول إن تلك الأحداث الكبرى هي وحدها التي زادت مقام ولي العهد السعودي علواً في الساحة الدولية؛ فقد ظل الأمير محمد بن سلمان يعمل بلا كلل من أجل تحقيق مصالح المملكة العربية السعودية. وأضافت أنه يعمل ما لا يقل عن 18 ساعة يومياً. وقد أطلق إستراتيجية ثلاثية الأبعاد تضع السعودية في الصدارة، وهي إستراتيجية «النوعية، الشراء، والبناء». وضربت مثالاً لإستراتيجية النوعية بتوسع المملكة في ساحة الرياضة العالمية، بخطى متسارعة، وإنفاق سخي أديا الى رفع الإنفاق السعودي على الرياضة الى 4.9 مليار جنيه إسترليني. وتتصدر كرة القدم ذلك المشهد، إذ بدأت السعودية خلال الـ 18 شهراً الماضية ضم ألمع نجوم العالم الى أندية الدوري السعودي الممتاز، ومنهم كريستيانو رونالدو، ونيمار. لكن الطموح السعودي لا يقتصر على كرة القدم وحدها. فقد دخلت المملكة في رياضة الغولف. وينوي السعوديون الدخول قريباً في الملاكمة وكرة المضرب. أما إستراتيجية الشراء فيقودها صندوق الثروة السيادية السعودية (صندوق الاستثمارات العامة) بالاستحواذ على شركات غربية ضخمة، وليس الاكتفاء بإقامة علاقات متنفذة مع الاقتصادات العالمية الكبرى، بل تحقيق مكاسب ملموسة من تلك الشركات.
أما الإستراتيجية الثالثة، وهي إستراتيجية البناء، فتقول «التلغراف» إن طموحات الأمير محمد بن سلمان في هذا الشأن عملاقة الى درجة أنه لا يمكن التقليل من شأنها بالزعم بأنها خيال علمي؛ إذ إن ولي العهد السعودي لا يريد تشييد «ذا لاين» فحسب، وهي مدينة بلا سيارات تتسع لـ9 ملايين نسمة سيقيمون في بناية واحدة يمتد طولها لنحو 170 كيلومتراً؛ بل يطمح أيضاً الى تشييد مجمع أوكساغون الصناعي نصف العائم الملحق بـ«ذا لاين»، يزيد حجمه 33 ضعفاً على مساحة مدينة نيويورك. وهما جزء من مدينة نيوم الشبيهة بمستوطنة على سطح كوكب المريخ. وأشارت الصحيفة الى أن الأمير محمد بن سلمان يريد بناء تلك المشاريع العملاقة بالاستعانة بأفضل المعماريين في العالم. وزادت أن ذلك ليس كل شيء، إذ إن الأمير محمد بن سلمان يريد أيضاً إعادة بناء الرياض حول «المكعب الجديد»، وهي ناطحة سحاب عملاقة مكعبة الشكل ستنشأ داخلها ناطحات سحاب شامخة. كما أن الطموح يشمل البدء في عدد لا يحصى من المشاريع العملاقة الأصغر حجماً في أرجاء المملكة ومدنها. وقالت «ديلي تلغراف» إن تلك المشاريع الطموحة جزء من خطة «رؤية السعودية 2030»، التي ابتدرها الأمير محمد بن سلمان غداة توليه ولاية العهد. والهدف منها تنويع مصادر الاقتصاد السعودي بعيداً عن الاعتماد على مداخيل النفط وحدها، استعداداً ليوم قد يتوقف فيه استخدام الوقود الأحفوري. وقد بدأ العمل في مصانع للسيارات الكهربائية في جدة. كما تم توقيع عقود للهيدروجين الأخضر الذي تستخدم مصانعه الطاقة الشمسية.
وأشارت «ديلي تلغراف» الى أن ولي العهد السعودي وضع نصب عينيه هدفاً صناعياً آخر، وهو المشاركة في تصنيع المقاتلات النفاثة. وأضافت أن الحكومة البريطانية ستعلن قريباً جداً إدخال المملكة العربية السعودية في مجوهرات التاج البريطاني المتمثلة في قطاع الدفاع، وهو مشروع إنتاج مقاتلات «تيمبست»، الذي تشارك في تطويره بريطانيا، وإيطاليا، والسويد، واليابان. وأوضحت «التلغراف» أن انضمام السعودية الى المشروع سيعني تصنيع أجزاء من المقاتلات المذكورة في الأراضي السعودية. وهو تقدم تكنولوجي تحتاج إليه المملكة العربية السعودية. وعزت الاهتمام البريطاني بهذا الأمر الى النفوذ المتزايد مالياً ودبلوماسياً للسعودية.
وكتبت «التلغراف» أن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك سيكون حريصاً، خلال الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي لبريطانيا، على التحادث معه في شأن صفقات تجارية واستثمارية في بريطانيا؛ «لكن وزارة الخارجية البريطانية تعرف جيداً ما يريده ولي العهد السعودي». وأشارت الى أن ثلثي الشعب السعودي تقل أعمارهم عن 35 سنة، كان أكثر من خُمسهم عاطلين عن العمل. وقد أدرك الأمير محمد بن سلمان أن بلاده في سباق ضد الزمن، إما أن تتحول أو تموت. وما يتردد عن خفض الانبعاثات الكربونية الى الصفر هو في حقيقته «ثورة صناعية»؛ إذ إن الصين وأوروبا وأمريكا تتنافس على النأي بمنظوماتها الكاملة من الوقود الأحفوري. ويدرك الأمير محمد بن سلمان أن تزايد مداخيل النفط الحالي هو أمر مؤقت؛ إذ إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ستنتهي لتنخفض أسعار النفط. ويدرك جيداً أنه على رغم تزايد حصة السعودية في أسواق النفط العالمية خلال هذه الأثناء، فإن تلك الأرباح ستنضب. وخلصت الصحيفة البريطانية الى أن الأمير محمد بن سلمان يسعى الى الحصول لبلاده على أكبر قدر من الأرباح من التجارة العالمية، وفي الوقت نفسه فإنه بما تضخّه شركة أرامكو السعودية النفطية العملاقة من مليارات الدولارات سيحقق للسعودية أكبر ثروة في العالم.